الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تقدمت لخطبة فتاة وأخاف من تحمل المسؤولية، فما نصيحتكم؟

السؤال

أنا شاب عمري 24 عامًا، أدرس في السنة الأخيرة من كلية الطب البشري، وعلى وشك التخرج، ومنذ ثلاث سنوات، تعرفت إلى فتاة في الجامعة، صاحبة خلق ودين، تقدمت لخطبتها مرتين، لكن والدها رفض بسبب طول مدة الخطبة.

وفي السنة الأخيرة، كان بيننا تواصل عبر الهاتف فقط، وحدثت بعض التجاوزات نسأل الله المغفرة، وشعرت مؤخرًا بضيق شديد بسبب هذه العلاقة، فقررت قطع التواصل معها، والتوبة إلى الله تعالى.

والآن تقدمت لخطبتها مرة أخرى، والحمد لله الأمور ميسّرة، وهناك قبول من الطرفين، لكن المشكلة أنني أشعر بالخوف من تحمل المسؤولية، أولًا بسبب وضعي المادي المتواضع، علمًا أنني مقبل على عمل قريبًا، وثانيًا بسبب علاقتنا السابقة، أخشى أن لا يجعل الله فيها بركة بسبب ما حدث بيننا، أشعر أن بعض ما أعانيه هو من وساوس الشيطان، فما هي نصيحتكم؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ يزن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أسأل المولى أن يشرح صدرك، ويثبّتك على طريق التوبة والحق، ويوفقك لما فيه رضاه وسعادتك في الدنيا والآخرة.

ما أجمل ما في رسالتك من صدقٍ ووعيٍ وإحساسٍ بالمسؤولية، فذلك دليل على قلبٍ حيٍّ يراقب الله تعالى، ويخاف مقامه، وأبشر فإنَّ الله تعالى: ﴿يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة: 222]. ثم اعلم أنَّ أول ما ينبغي أن تطمئن إليه هو أنَّ باب التوبة مفتوح لا يُغلق حتى تطلع الشمس من مغربها، وأنك ما دمت قد أقلعت عن الذنب وندمت وعزمت على عدم العودة إليه، فقد محاه الله تعالى عنك، بل وبدّله حسناتٍ، كما قال سبحانه: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ﴾ [الفرقان: 70]، فلا تجعل للشيطان سبيلًا إلى قلبك باليأس أو الخوف من العقوبة بعد التوبة، فإن من صفاته أن يُحزِن المؤمنين، ويزرع فيهم الوساوس، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [المجادلة: 10].

أما ما تخاف منه من قلّة البركة بسبب الماضي، فاعلم أن الله تعالى هو البرّ الكريم، يغفر ويجبر ويُبدل الحال إلى خيرٍ، إذا صدقت النية واستُفتِحَت العلاقة بطاعته، فابدأ صفحةً جديدةً أساسها العفة والستر، ولا تُحدّث نفسك بما مضى إلا ليكون دافعًا لمزيد من الطاعة والقرب من الله تعالى، واعقد نيتك على أن تبني بيتًا على تقواه سبحانه، لا على العاطفة وحدها، فبذلك تنزل البركة.

وأما عن الخوف من المسؤولية وضيق الحال، فطبيعي جدًا أن يشعر الشاب المقبل على الزواج بشيء من القلق، ولكن اجعل خوفك هذا باعثًا على التخطيط والاجتهاد لا على التراجع، فالرزق بيد الله تعالى، ولن تموت نفس حتى تستوفي رزقها، ولقد وعد سبحانه مَن هم في مثل حالتك بقوله: ﴿إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النور: 32].

ضع خطة واضحة لمرحلة ما بعد التخرج، في عملك وميزانيتك، واتفق مع أهل الفتاة على تيسير الزواج بما يتناسب مع وضعك الحالي دون تكلف، واجعل من البداية أساس العلاقة عبادةً لله، فكل نفقةٍ تنفقها، وكل جهدٍ تبذله في بيتك عبادة تُكتب لك، ولا تغفل أثر الدعاء، داوِم على الدعاء بأن يرزقك الله تعالى البركة في عملك وزواجك.

يا بني: الزواج ليس اختبار قوةٍ مالية، بل اختبار صدقٍ في المسؤولية، والله يبارك في القليل إذا صَحَّت النية، فامضِ بثقةٍ، واستعن بالله تعالى، وابدأ حياتك بوضوحٍ وصدقٍ وتوبةٍ نصوح، وسترى كيف يبدّل الله خوفك أمنًا، وضيقك فرجًا، وذنبك مغفرةً وسكينة.

نسأل الله أن يبارك لك في زواجك، وأن يجعلها زوجةً صالحةً تقرّ بها عينك، ويجمع بينكما على طاعته ومحبته.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً