قال قتادة : لعب ولهو : أكل وشرب .
قال مجاهد : كل لعب لهو ، وقيل اللعب ما رغب في الدنيا ، واللهو ما ألهى عن الآخرة وشغل عنها ، وقيل اللعب الاقتناء ، واللهو النساء ، وقد تقدم تحقيق هذا في سورة الأنعام ، والزينة التزين بمتاع الدنيا من دون عمل للآخرة وتفاخر بينكم قرأ الجمهور بتنوين تفاخر والظرف صفة له ، أو معمول له ، وقرأ السلمي بالإضافة : أي يفتخر به بعضكم على بعض ، وقيل يتفاخرون بالخلقة والقوة ، وقيل بالأنساب والأحساب كما كانت عليه العرب وتكاثر في الأموال والأولاد أي يتكاثرون بأموالهم وأولادهم ويتطاولون بذلك على الفقراء ثم بين سبحانه لهذه الحكاية شبها ، وضرب لها مثلا فقال : كمثل غيث أعجب الكفار نباته أي كمثل مطر أعجب الزراع نباته ، والمراد بالكفار هنا الزراع لأنهم يكفرون البذر : أي يغطونه بالتراب ، ومعنى " نباته " : النبات الحاصل به ثم يهيج أي يجف بعد خضرته وييبس فتراه مصفرا أي متغيرا عما كان عليه من الخضرة : والرونق إلى لون الصفرة والذبول ثم يكون حطاما أي فتاتا هشيما متكسرا متحطما بعد يبسه ، وقد تقدم تفسير هذا المثل في سورة يونس والكهف ، والمعنى : أن الحياة الدنيا كالزرع يعجب الناظرين إليه لخضرته وكثرة نضارته .
ثم لا يلبث أن يصير هشيما تبنا كأن لم يكن .
وقرئ " مصفارا " والكاف في محل نصب على الحال ، أو في محل رفع على أنها خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف .
ثم لما ذكر سبحانه حقارة الدنيا وسرعة زوالها ، ذكر ما أعده للعصاة في الدار الآخرة فقال : وفي الآخرة عذاب شديد وأتبعه بما أعده لأهل الطاعة فقال : " ومغفرة من الله ورضوان " والتنكير فيهما للتعظيم .
قال قتادة : عذاب شديد لأعداء الله .
ومغفرة من الله ورضوان لأوليائه وأهل طاعته .
قال الفراء : التقدير في الآية إما عذاب شديد ، وإما مغفرة ، فلا يوقف على " شديد " .
ثم ذكر سبحانه بعد الترهيب والترغيب حقارة الدنيا فقال : وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور لمن اغتر بها ولم يعمل لآخرته .
قال سعيد بن جبير : متاع الغرور لمن لم يشتغل بطلب الآخرة ، ومن اشتغل بطلبها فله متاع بلاغ إلى ما هو خير منه .
وهذه الجملة مقررة للمثل المتقدم ومؤكدة له .
ثم ندب عباده إلى المسابقة إلى ما يوجب المغفرة من التوبة والعمل الصالح ، فإن ذلك سبب إلى الجنة فقال : سابقوا إلى مغفرة من ربكم أي سارعوا مسارعة السابقين بالأعمال الصالحة التي توجب المغفرة لكم من ربكم وتوبوا مما وقع منكم من المعاصي ، وقيل المراد بالآية التكبيرة الأولى مع الإمام قاله مكحول ، وقيل المراد الصف الأول .
ولا وجه لتخصيص ما في الآية بمثل هذا ، بل هو من جملة ما تصدق عليه صدقا شموليا أو بدليا وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أي كعرضهما ، وإذا كان هذا قدر عرضها فما ظنك بطولها .
قال الحسن : يعني جميع السماوات والأرضين مبسوطات كل واحدة إلى صاحبتها ، وقيل المراد بالجنة التي عرضها هذا العرض هي جنة كل واحد من أهل الجنة .
وقال ابن كيسان : عنى به جنة واحدة من الجنات ، والعرض أقل من الطول ، ومن عادة العرب أنها تعبر عن الشيء بعرضه دون طوله ، ومن ذلك قول الشاعر :
كأن بلاد الله وهي عريضة على الخائف المطلوب كفة حابل
وقد مضى تفسير هذا في سورة آل عمران ، ثم وصف سبحانه تلك الجنة بصفة أخرى فقال : " أعدت للذين آمنوا بالله ورسله " ويجوز أن تكون هذه الجملة مستأنفة .وفي هذا دليل على أن استحقاق الجنة يكون بمجرد الإيمان بالله ورسله ، ولكن هذا مقيد بالأدلة الدالة على أنه لا يستحقها إلا من عمل بما فرض الله عليه واجتنب ما نهاه الله عنه ، وهي أدلة كثيرة في الكتاب والسنة ، والإشارة بقوله : ذلك إلى ما وعد به سبحانه من المغفرة والجنة ، وهو مبتدأ وخبره [ ص: 1461 ] " فضل الله يؤتيه من يشاء " أي يعطيه من يشاء إعطاءه إياه تفضلا وإحسانا والله ذو الفضل العظيم فهو يتفضل على من يشاء بما يشاء ، لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع ، والخير كله بيده ، وهو الكريم المطلق والجواد الذي لا يبخل .
ثم بين سبحانه أن ما يصاب به العباد من المصائب قد سبق بذلك قضاؤه وقدره وثبت في أم الكتاب فقال : "ما أصاب من مصيبة في الأرض من قحط مطر وضعف نبات ونقص ثمار .
قال مقاتل : القحط وقلة النبات والثمار ، وقيل الجوائح في الزرع ولا في أنفسكم قال قتادة : بالأوصاب والأسقام .
وقال مقاتل : إقامة الحدود .
وقال ابن جريج : ضيق المعاش " إلا في كتاب " في محل نصب على الحال من " مصيبة " : أي إلا حال كونها مكتوبة في كتاب ، وهو اللوح المحفوظ ، وجملة " من قبل أن نبرأها " في محل جر صفة ل " كتاب " ، والضمير في " نبرأها " عائد إلى المصيبة ، أو إلى الأنفس ، أو إلى الأرض ، أو إلى جميع ذلك ، ومعنى " نبرأها " نخلقها " إن ذلك على الله يسير " أي أن إثباتها في الكتاب على كثرته على الله يسير غير عسير .
" لكي لا تأسوا على ما فاتكم " أي اختبرناكم بذلك لكيلا تحزنوا على ما فاتكم من الدنيا ولا تفرحوا بما آتاكم منها : أي أعطاكم منها ، فإن ذلك يزول عن قريب ، وكل زائل عن قريب لا يستحق أن يفرح بحصوله ولا يحزن على فواته ، ومع أن الكل بقضاء الله وقدره ، فلن يعدو امرأ ما كتب له ، وما كان حصوله كائنا لا محالة فليس بمستحق للفرح بحصوله ولا للحزن على فوته ، وقيل والحزن والفرح المنهي عنهما هما اللذان يتعدى فيهما إلى ما لا يجوز ، وإلا فليس من أحد إلا وهو يحزن ويفرح .
قرأ الجمهور " بما آتاكم " بالمد : أي أعطاكم ، وقرأ أبو العالية ، ونصر بن عاصم ، وأبو عمرو بالقصر : أي جاءكم ، واختار القراءة الأولى أبو حاتم ، واختار القراءة الثانية أبو عبيد والله لا يحب كل مختال فخور أي لا يحب من اتصف بهاتين الصفتين وهما الاختيال والافتخار ، قيل هو ذم للفرح الذي يختال فيه صاحبه ويبطر ، وقيل إن من فرح بالحظوظ الدنيوية وعظمت في نفسه اختال وافتخر بها ، وقيل المختال الذي ينظر إلى نفسه ، والفخور الذي ينظر إلى الناس بعين الاستحقار .
والأولى تفسير هاتين الصفتين بمعناهما الشرعي ثم اللغوي ، فمن حصلتا فيه فهو الذي لا يحبه الله .
" الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل " الموصول في محل رفع بالابتداء ، وهو كلام مستأنف لا تعلق له بما قبله ، والخبر مقدر : أي الذين يبخلون فالله غني عنهم ، ويدل على ذلك قوله : " ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد " وقيل الموصول في محل جر بدل من " مختال " ، وهو بعيد ، فإن هذا البخل بما في اليد وأمر الناس بالبخل ليس هو معنى المختال الفخور ، لا لغة ولا شرعا .
وقيل هو في محل جر نعت له ، وهو أيضا بعيد .
قال سعيد بن جبير : الذين يبخلون بالعلم ويأمرون الناس بالبخل به لئلا يعلموا الناس شيئا .
وقال زيد بن أسلم : إنه البخل بأداء حق الله ، وقيل إنه البخل بالصدقة ، وقال طاووس : إنه البخل بما في يديه ، وقيل أراد رؤساء اليهود الذين بخلوا ببيان صفة محمد صلى الله عليه وسلم في كتبهم لئلا يؤمن به الناس فتذهب مآكلهم قاله السدي ، والكلبي : قرأ الجمهور بالبخل بضم الباء وسكون الخاء .
وقرأ أنس ، وعبيد بن عمير ، ويحيى بن يعمر ، ومجاهد ، وحميد ، وابن محيصن ، وحمزة ، والكسائي بفتحتين ، وهي لغة الأنصار .
وقرأ أبو العالية ، وابن السميفع بفتح الباء وإسكان الخاء .
وقرأ نصر بن عاصم بضمهما ، وكلها لغات ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد أي ومن يعرض عن الإنفاق فإن الله غني عنه محمود عند خلقه لا يضره ذلك .
قرأ الجمهور هو الغني بإثبات ضمير الفصل .
وقرأ نافع ، وابن عامر " فإن الله هو الغني " بحذف الضمير .
وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم يقول في الدين والدنيا إلا في كتاب من قبل أن نبرأها قال نخلقها : لكي لا تأسوا على ما فاتكم من الدنيا ولا تفرحوا بما آتاكم منها .
وأخرج ابن جرير عنه في الآية قال : هو شيء قد فرغ منه من قبل أن تبرأ الأنفس .
وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عنه أيضا في قوله : لكي لا تأسوا على ما فاتكم الآية قال : ليس أحد إلا وهو يحزن ويفرح ، ولكن من أصابته مصيبة جعلها صبرا ، ومن أصابه خير جعله شكرا .
وأخرج ابن المنذر عنه في الآية قال : يريد مصائب المعاش ، ولا يريد مصائب الدين ، إنه قال : لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم وليس هذا من مصائب الدين ، أمرهم أن يأسوا على السيئة ويفرحوا بالحسنة .


