قيل : الخطاب لأهل نجران بدليل ما تقدم قبل هذه الآية ، وقيل : ليهود المدينة ، وقيل : لليهود والنصارى جميعا ، وهو ظاهر النظم القرآني ، ولا وجه لتخصيصه بالبعض ; لأن هذه دعوة عامة لا تختص بأولئك الذين حاجوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . والسواء : العدل .
قال الفراء : يقال في المعنى : العدل سوى وسواء ، فإذا فتحت السين مددت ، وإذا ضممت أو كسرت قصرت . قال زهير :
أروي خطة لا ضيم فيها يروي نبتها فيها السواء
وفي قراءة ابن مسعود : إلى كلمة عدل بيننا وبينكم فالمعنى : أقبلوا إلى ما دعيتم إليه ، وهي الكلمة العادلة المستقيمة التي ليس فيها ميل عن الحق ، وقد فسرها بقوله : ألا نعبد إلا الله وهو في موضع خفض على البدل من كلمة ، أو رفع على إضمار مبتدأ ; أي : هي أن لا نعبد ، ويجوز أن تكون أن مفسرة لا موضع للجملة التي دخلت عليها ، وفي قوله : ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا تبكيت لمن اعتقد ربوبية المسيح وعزير ، وإشارة إلى أن هؤلاء من جنس البشر وبعض منهم ، وإزراء على من قلد الرجال في دين الله فحلل ما حللوه له ، وحرم ما حرموه عليه ، فإن من فعل ذلك فقد اتخذ من قلده ربا ، ومنه اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله [ التوبة : 84 ] وقد جوز الكسائي والفراء الجزم في ( ولا نشرك ) ( ولا يتخذ ) على التوهم .قوله : فإن تولوا أي أعرضوا عما دعوا إليه فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون أي : منقادون لأحكامه مرتضون به معترفون بما أنعم الله به علينا من هذا الدين القويم . وقد أخرج البخاري ومسلم والنسائي عن ابن عباس قال : ( حدثني أبو سفيان أن هرقل دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقرأه فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم : سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد : فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، فإذا توليت فإن عليك إثم الأريسيين ، ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ، إلى قوله : بأنا مسلمون ) .
وأخرج الطبراني عن ابن عباس أن كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الكفار تعالوا إلى كلمة الآية . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن جريج قال : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعا يهود المدينة إلى ما في هذه الآية فأبوا عليه ، فجاهدهم حتى أقروا بالجزية .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال : ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعا يهود أهل المدينة إلى الكلمة السواء . وأخرج ابن جرير عن الربيع نحوه .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة إلى كلمة سواء قال : عدل . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع مثله .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله : ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا قال : لا يطيع بعضنا بعضا في معصية الله ، ويقال : إن تلك الربوبية أن يطيع الناس ساداتهم وقادتهم في غير عبادة وإن لم يصلوا لهم . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله : ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا قال : سجود بعضهم لبعض .


