ذكر الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة عن نبيه شعيب عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ، أنه أخبر قومه : أنه إذا نهاهم عن شيء انتهى هو عنه وأن فعله لا يخالف قوله .
ويفهم من هذه الآية الكريمة أن الإنسان يجب عليه أن يكون منتهيا عما ينهى عنه غيره ، مؤتمرا بما يأمر به غيره .
وقد بين تعالى ذلك في مواضع أخر ، كقوله : أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم الآية [ 2 \ 44 ] ، وقوله : كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون [ 61 \ 3 ] .
وفي الصحيحين من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : [ ص: 198 ] " يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه في النار ، فيدور بها كما يدور الحمار برحاه ، فيجتمع عليه أهل النار فيقولون : أي فلان ، ألست كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر ؟ ! فيقول : كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه ، وأنهاكم عن المنكر وآتيه " .
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم : " فتندلق أقتابه " ، أي : تتدلى أمعاؤه .
وأخرج وكيع ، وابن أبي شيبة ، وأحمد ، وعبد بن حميد ، والبزار ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن حبان ، وأبو نعيم في " الحلية " ، وابن مردويه ، والبيهقي في " شعب الإيمان " ، وغيرهم ، عن أنس رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رأيت ليلة أسري بي رجالا تقرض شفاههم بمقاريض من نار ، كلما قرضت رجعت ، فقلت لجبريل من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء خطباء من أمتك ، كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون " ، قاله صاحب " الدر المنثور " . اهـ . وقد قال الشاعر :
لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم
وقد أجاد من قال :وغير تقي يأمر الناس بالتقى طبيب يداوي الناس وهو مريض
فإنك إذ ما تأت ما أنت آمر به تلف من إياه تأمر آتيا


