ومن هنا احتمل أن تكون الإشارة بهذا إلى القرآن ، أي القرآن ذكر ، فتكون الجملة استئنافا ابتدائيا للتنويه بشأن القرآن راجعا إلى غرض قوله تعالى " كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب " .
والواو في وإن للمتقين إلخ ؛ يجوز أن تكون للعطف الذكري ، أي : انتهى الكلام السابق بقولنا هذا ونعطف عليه إن للمتقين إلخ ؛ . ويجوز أن تكون واو الحال .
وتقدم معنى حسن مآب .
واللام في للمتقين لام الاختصاص ، أي : لهم حسن مآب يوم الجزاء .
وانتصب " جنات عدن " على البيان من حسن مآب ، والعدن : الخلود .
و " مفتحة " حال من جنات عدن ، والعامل في الحال ما في للمتقين من معنى الفعل وهو الاستقرار فيكون " ال " في الأبواب عوضا عن الضمير .
[ ص: 282 ] والتقدير : أبوابها ، على رأي نحاة الكوفة ، وأما عند البصريين فـ " الأبواب " بدل من الضمير في " مفتحة " على أنه بدل اشتمال أو بعض والرابط بينه وبين المبدل منه محذوف تقديره : الأبواب منها . وتفتيح الأبواب كناية عن التمكين من الانتفاع بنعيمها لأن تفتيح الأبواب يستلزم الإذن بالدخول وهو يستلزم التخلية بين الداخل وبين الانتفاع بما وراء الأبواب .
وقوله متكئين فيها تقدم قريب منه في سورة يس .
و يدعون : يأمرون بأن يجلب لهم ، يقال : دعا بكذا ، أي : سأل أن يحضر له .
والباء في قولهم : دعا بكذا ، للمصاحبة ، والتقدير : دعا مدعوا يصاحبه كذا ، قال عدي بن زيد :
ودعوا بالصبوح يوما فجاءت قينة في يمينها إبـريق
قال تعالى في سورة يس لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون .وانتصب متكئين على الحال من المتقين وهي حال مقدرة . وجملة " يدعون " حال ثانية مقدرة أيضا .
والشراب : اسم للمشروب ، وغلب إطلاقه على الخمر إذا لم يكن في الكلام ذكر للماء كقوله آنفا هذا مغتسل بارد وشراب وتنوين شراب هنا للتعظيم ، أي : شراب نفيس في جنسه ، كقول أبي خراش الهذلي :
لقد وقعت على لحم
وعندهم قاصرات الطرف " عند " ظرف مكان قريب وقاصرات الطرف صفة لموصوف محذوف ، أي : نساء قاصرات النظر . وتعريف الطرف تعريف الجنس الصادق بالكثير ، أي : قاصرات الأطراف . والطرف : النظر بالعين ، وقصر الطرف توجيهه إلى منظور غير متعدد ، فيجوز أن يكون المعنى : أنهن قاصرات أطرافهن على أزواجهن . فالأطراف المقصورة أطرافهن .
وإسناد قاصرات إلى ضمير " هن " إسناد حقيقي ، أي : لا يوجهن أنظارهن [ ص: 283 ] إلى غيرهم وذلك كناية عن محبتهن على أزواجهن .
ويجوز أن يكون المعنى : أنهن يقصرن أطراف أزواجهن عليهن فلا تتوجه أنظار أزواجهن إلى غيرهن اكتفاء منهم بحسنهن وذلك كناية عن تمام حسنهن في أنظار أزواجهن بحيث لا يتعلق استحسانهم بغيرهن ، فالأطراف المقصورة أطراف أزواجهن ، وإسناد " قاصرات " إليهن مجاز عقلي إذ كان حسنهن سبب قصر أطراف الأزواج فإنهن ملابسات سبب القصر .
وأتراب : جمع ترب بكسر التاء وسكون الراء ، وهو اسم لمن كان عمره مساويا عمر من يضاف إليه ، تقول : هو ترب فلان ، وهي ترب فلانة ، ولا تلحق لفظ ترب علامة تأنيث .
والمراد : أنهن أتراب بعضهن لبعض ، وأنهن أتراب لأزواجهن لأن التحاب بين الأقران أمكن .
والظاهر أن أتراب وصف قائم بجميع نساء الجنة من مخلوقات الجنة ومن النساء اللاتي كن أزواجا في الدنيا لأصحاب الجنة ، فلا يكون بعضهن أحسن شبابا من بعض فلا يلحق بعض أهل الجنة غض إذا كانت نساء غيره أجد شبابا ، ولئلا تتفاوت نساء الواحد من المتقين في شرخ الشباب ، فيكون النعيم بالأقل شبابا دون النعيم بالأجد منهن .
وتقدم الكلام على وعندهم قاصرات الطرف عين في سورة الصافات .


