الخامس : وهو أقل الدرجات أن لا يدعو على السارق الذي ظلمه بالأخذ فإن فعل بطل توكله ، ودل ذلك على كراهته وتأسفه على ما فات ، وبطل زهده ، ولو بالغ بطل أجره أيضا فيما أصيب به ففي الخبر من دعا على ظالمه فقد انتصر وحكي أن الربيع بن خثيم سرق فرس له ، وكان قيمته عشرين ألفا وكان قائما يصلي ، فلم يقطع صلاته ، ولم ينزعج لطلبه فجاءه قوم يعزونه ، فقال : أما إني قد كنت رأيته ، وهو يحله قيل : وما منعك أن تزجره قال : كنت فيما هو أحب إلي من ذلك يعني الصلاة فجعلوا يدعون عليه فقال : لا تفعلوا وقولوا خيرا ، فإني قد جعلتها صدقة عليه .
وقيل لبعضهم في شيء قد كان سرق له : ألا تدعو على ظالمك ؟ قال : ما أحب أن أكون عونا للشيطان عليه .
قيل : أرأيت لو رد عليك قال : لا آخذه ، ولا أنظر إليه ؛ لأني كنت قد أحللته له .
وقيل لآخر : ادع الله على ظالمك ، فقال : ما ظلمني : أحد ، ثم قال : إنما ظلم نفسه ، ألا يكفيه المسكين ظلم نفسه حتى أزيده شرا .
وأكثر بعضهم شتم الحجاج عند بعض السلف في ظلمه فقال : لا تغرق في شتمه ، فإن الله تعالى ينتصف للحجاج فمن انتهك عرضه ، كما ينتصف منه لمن أخذ ماله ودمه .
وفي الخبر إن العبد ليظلم المظلمة فلا يزال يشتم ظالمه ، ويسبه حتى يكون بمقدار ما ظلمه ، ثم يبقى للظالم عليه مطالبة بما زاد عليه يقتص له من المظلوم .


