وقال عيسى عليه السلام : « جودة الثياب خيلاء في القلب وقال طاوس إني لأغسل ثوبي هذين فأنكر قلبي ما داما نقيين .
ويروى أن عمر بن عبد العزيز رحمه الله كان قبل أن يستخلف تشترى له الحلة بألف دينار ، فيقول : ما أجودها ! لولا خشونة فيها فلما استخلف كان يشترى له الثوب بخمسة دراهم ، فيقول : ما أجوده ! لولا لينه ، فقيل له : أين لباسك ومركبك وعطرك يا أمير المؤمنين فقال : إن لي نفسا ذواقة وإنها لم تذق من الدنيا طبقة إلا تاقت إلى الطبقة التي فوقها ، حتى إذا ذاقت الخلافة وهي أرفع الطباق تاقت إلى ما عند الله عز وجل .
وقال سعيد بن سويد : صلى بنا عمر بن عبد العزيز الجمعة ، ثم جلس ، وعليه قميص مرقوع الجيب من بين يديه ومن خلفه ، فقال له رجل : يا أمير المؤمنين إن الله قد أعطاك ، فلو لبست ، فنكس رأسه مليا ثم رفع رأسه فقال : إن أفضل القصد عند الجدة وإن أفضل العفو عند القدرة وقال صلى الله عليه وسلم : « من ترك زينة لله ، ووضع ثيابا حسنة تواضعا لله ، وابتغاء لمرضاته ، كان حقا على الله أن يدخر له عبقري الجنة .
فإن قلت : فقد قال عيسى عليه السلام : « جودة الثياب خيلاء القلب » وقد سئل نبينا صلى الله عليه وسلم عن الجمال في الثياب : هل هو من الكبر فقال : لا ، ولكن من سفه الحق وغمص الناس .
فكيف طريق الجمع بينهما ؟ فاعلم أن الثوب الجديد ليس من ضرورته أن يكون من التكبر في حق كل أحد في كل حال ، وهو الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي عرفه رسول الله صلى الله عليه وسلم من حال ثابت بن قيس إذ قال إني امرؤ حبب إلي من الجمال ما ترى .
فعرف أن ميله إلى النظافة وجودة الثياب لا ليتكبر على غيره ، فإنه ليس من ضرورته أن يكون من الكبر ، وقد يكون ذلك من الكبر ، كما أن الرضا بالثوب الدون قد يكون من التواضع .
وعلامة المتكبر أن يطلب التجمل إذا رآه الناس ، ولا يبالي إذا انفرد بنفسه كيف كان .
وعلامة طالب الجمال أن يحب الجمال في كل شيء ولو في خلوته وحتى في سنور داره فذلك ليس من التكبر .
، فإذا انقسمت الأحوال نزل قول عيسى عليه السلام على بعض الأحوال ، على أن قوله : « خيلاء القلب » يعني : قد تورث خيلاء في القلب وقول نبينا صلى الله عليه وسلم إنه ليس من الكبر ، يعني أن الكبر لا يوجبه ، ويجوز أن لا يوجبه الكبر ثم يكون هو مورثا للكبر .


