الدرجة الثانية هو أن يأخذ مال السلطان ، ولكن إنما يأخذ إذا علم أن ما يأخذه من جهة حلال ، فاشتمال يد السلطان على حرام آخر لا يضره ، وعلى هذا ينزل جميع ما نقل من الآثار ، أو أكثرها أو ما اختص منها بأكابر الصحابة والورعين منهم مثل ابن عمر فإنه كان من المبالغين في الورع فكيف يتوسع في مال السلطان ، وقد كان من أشدهم إنكارا عليهم وأشدهم ذما لأموالهم ، وذلك أنهم اجتمعوا عند ابن عامر وهو في مرضه وأشفق على نفسه من ولايته وكونه مأخوذا عند الله تعالى بها ، فقالوا له : إنا لنرجو لك الخير حفرت الآبار وسقيت الحاج وصنعت وصنعت وابن عمر ساكت فقال ماذا تقول يا ابن عمر ؟ فقال : أقول ذلك إذا طاب المكسب وزكت النفقة وسترد فترى .
وفي حديث آخر أنه قال إن الخبيث لا يكفر الخبيث ، وإنك قد وليت البصرة ، ولا أحسبك إلا قد أصبت منها شرا .
فقال له ابن عامر : ألا تدعو لي ؟ فقال ابن عمر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يقبل الله صلاة بغير طهور ، ولا صدقة من غلول .
وقد وليت البصرة فهذا قوله فيما صرفه إلى الخيرات .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال في أيام الحجاج ما شبعت من الطعام منذ انتهبت الدار إلى يومي هذا وروي عن علي رضي الله عنه أنه كان له سويق في إناء مختوم يشرب منه ، فقيل : أتفعل هذا بالعراق مع كثرة طعامه ، فقال : أما إني لا أختمه بخلابه ، ولكن أكره أن يجعل فيه ما ليس منه ، وأكره أن يدخل بطني غير طيب فهذا هو المألوف منهم وكان ابن عمر لا يعجبه شيء إلا خرج عنه فطلب منه نافع بثلاثين ألفا ، فقال : إني أخاف أن تقتنى دراهم ابن عامر ، وكان هو الطالب اذهب فأنت حر .
وقال أبو سعيد الخدري : ما منا أحد إلا مالت به الدنيا إلا ابن عمر فبهذا يتضح أنه لا يظن به ، وبمن كان في منصبه أنه أخذ مالا يدري أنه حلال .


