وأما قول القائل : لا نتصدق إلا بالطيب ، فذلك إذا طلبنا الأجر لأنفسنا ، ونحن الآن نطلب الخلاص من المظلمة لا الأجر .
وترددنا ، بين التضييع وبين التصدق ورجحنا جانب التصدق على جانب التضييع .
وقول القائل : لا نرضى لغيرنا ما لا نرضاه لأنفسنا ، فهو كذلك ولكنه علينا حرام لاستغنائنا عنه وللفقير حلال إذ أحله دليل الشرع ، وإذا اقتضت المصلحة التحليل ، وجب التحليل وإذا حل فقد رضينا له الحلال ، ونقول إن له أن يتصدق على نفسه وعياله إذا كان فقيرا .
أما عياله وأهله ، فلا يخفى لأن الفقر لا ينتفي عنهم بكونهم من عياله وأهله ، بل هم أولى من يتصدق عليهم وأما هو فله أن يأخذ منه قدر حاجته لأنه أيضا فقير ، ولو تصدق به على فقير لجاز وكذا ، إذا كان هو الفقير ولنرسم في بيان هذا الأصل أيضا مسائل .
مسألة .
إذا وقع في يده مال من يد سلطان قال قوم : يرد إلى السلطان فهو أعلم بما تولاه فيقلده ما تقلده ، وهو خير من أن يتصدق به واختار المحاسبي ذلك وقال : كيف يتصدق به فلعل ، له مالكا معينا ، ولو جاز ذلك لجاز أن يسرق من السلطان ويتصدق به وقال قوم يتصدق به إذا علم أن السلطان لا يرده إلى المالك لأن ذلك إعانة للظالم وتكثير لأسباب ظلمه ، فالرد إليه تضييع لحق المالك والمختار أنه إذا علم من عادة السلطان أنه لا يرده إلى مالكه فيتصدق به عن مالكه ، فهو خير للمالك إن كان له مالك معين من أن يرد على السلطان لأنه ; ربما لا يكون له مالك معين ، ويكون حق المسلمين ، فرده على السلطان تضييع فإن كان له مالك معين فالرد على السلطان تضييع وإعانة للسلطان الظالم وتفويت لبركة دعاء الفقير على المالك وهذا ظاهر فإذا وقع في يده من ميراث ، ولم يتعد هو بالأخذ من السلطان فإنه شبيه باللقطة التي أيس عن معرفة صاحبها إذا لم يكن له أن يتصرف فيها بالتصدق عن المالك ، ولكن له أن يتملكها ثم وإن كان غنيا من حيث إنه اكتسبه من وجه مباح وهو الالتقاط وههنا لم يحصل المال من وجه مباح ، فيؤثر في منعه من التملك ولا يؤثر في المنع من التصدق .


