وما أرى أن هذه العظمة كلها للصلاة من حيث أعمالها الظاهرة إلا أن يضاف إليها مقصود المناجاة فإن ذلك يتقدم ، على الصوم والزكاة والحج وغيره بل الضحايا والقرابين التي هي مجاهدة للنفس بتنقيص المال قال الله تعالى لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم أي : الصفة التي استولت على القلب حتى حملته على امتثال الأوامر هي المطلوبة فكيف الأمر في الصلاة ولا أرب في أفعالها فهذا ما يدل من حيث المعنى على اشتراط حضور القلب .
فإن قلت : إن حكمت ببطلان الصلاة ، وجعلت حضور القلب شرطا في صحتها خالفت إجماع الفقهاء فإنهم لم يشترطوا إلا حضور القلب عند التكبير .
فاعلم أنه قد تقدم في كتاب العلم أن الفقهاء لا يتصرفون في الباطن ولا يشقون عن القلوب ولا في طريق الآخرة بل يبنون أحكام الدين على ظاهر أعمال الجوارح ، وظاهر الأعمال كاف لسقوط القتل وتعزير السلطان فأما أنه ينفع في الآخرة فليس هذا من حدود الفقه على أنه لا يمكن أن يدعى الإجماع .
فقد نقل عن بشر بن الحارث فيما رواه عنه أبو طالب المكي عن سفيان الثوري أنه قال : من لم يخشع فسدت صلاته ، وروي عن الحسن أنه قال : كل صلاة لا يحضر فيها القلب فهي إلى العقوبة أسرع .
وعن معاذ بن جبل من عرف من على يمينه وشماله متعمدا وهو في الصلاة ، فلا صلاة له .
وروي أيضا مسندا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن العبد ليصلي الصلاة لا يكتب له سدسها ولا عشرها ، وإنما يكتب للعبد من صلاته ما عقل منها وهذا لو نقل عن غيره لجعل مذهبا ، فكيف لا يتمسك به ، وقال عبد الواحد بن زيد أجمعت العلماء على أنه ليس للعبد من صلاته إلا ما عقل منها فجعله إجماعا وما نقل من هذا الجنس عن الفقهاء المتورعين وعن علماء الآخرة أكثر من أن يحصى .


