باب في الطعام يكون في المغانم وما لا يستطاع نقله من الأمتعة والطعام والحيوان والناس
ولمن غنم طعاما أن يختص بمنفعته ؛ لحديث عبد الله بن مغفل - رضي الله عنهم - ، قال : "أصبت جراب شحم يوم خيبر ، وقلت : لا أعطي منه شيئا ، فالتفت فإذا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - يبتسم" أخرجه البخاري ومسلم .
وحديث ابن عمر - رضي الله عنهما - ، قال : كنا نصيب في مغازينا العسل والعنب فنأكله ولا نرفعه . أخرجه البخاري . والحكم فيما يأكله ويعلفه سواء .
وكذلك الجواب عند مالك فيما أصاب غيره من الطعام وجمع في المقاسم : ينتفع به من احتاج إليه من غير استئذان . قال مالك : وكذلك البقر والغنم هي لمن أخذها يأكل وينتفع .
وكذلك إن أصابها غيره وجمعها الإمام ، ثم احتاج بعضهم الأكل ؛ فيأخذه [ ص: 1431 ] من غير استئذان ، وكذلك ما قل قدره من غير الطعام .
فقال في جلود البقر والغنم تكون في المغانم : لا بأس أن يتخذ منها نعالا وخفافا ، أو حزما إن احتاجوا إليها .
وقال في كتاب محمد : إن الذي يرد مثل الكبة ، والخيط ، وما ثمنه قليل- أخاف أن يرائي بهذا ، وليس يضيق على الناس .
والأحاديث في هذين : الغنم والقليل من غيرها- على خلاف الطعام ، فقال رافع بن خديج - رضي الله عنه - : "كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذي الحليفة من تهامة ، فأصاب الناس جوع ، وأصبنا إبلا وغنما ، فعجل القوم فأغلوا منها القدور ، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فأكفئت ، ثم عدل عشرا من الغنم بجزور . . ." الحديث .
وذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الغلول ، فجاء رجل بشراك أو شراكين ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : شراك أو شراكان من نار . [ ص: 1432 ]
والقدر الذي يجوز له إمساكه من الطعام : ما يأكله في مقامه ، وفي رجعته إلى بلده ، أو يفضل ما لا قدر له .
فإن كان له قدر- رده وكان مغنما ، وإن افترق الجيش تصدق به . وإن كان قدر حاجته فباعه وآثر الثمن على حاجته- كان مغنما ، ولا يرد الثمن على المشتري إن كان المشتري من غير الجيش أو من الجيش واشتراه للتجارة ، وإن اشتراه لأكله رد عليه الثمن .
وقال ابن القاسم في العتبية : من باع طعاما بأرض الحرب ممن يأكله رد الثمن في المغنم لا على المبتاع .
وهذا إذا كان المشتري من غير الجيش أو ممن خرج لغير الجهاد أجيرا أو تاجرا .
وقال ابن القاسم : إن استقرض طعاما لم يلزمه رده على المقرض ؛ لأن عليه أن يعطي ما استغنى عنه .
فإذا لم يكن على المستقرض غرم المثل ، لم يكن على المشتري ثمن ، ولو كان الطعام قدر حاجته أياما ، فأقرضه بعضه ليأخذه وقت حاجته كان ذلك له .
وأجاز سحنون بدل القمح بالشعير متفاضلا . ومنعه ابن أبي الغمر ، [ ص: 1433 ] إلا مثلا بمثل .
والأول أقيس ؛ لأن كل واحد منهما إنما يعطي ما استغنى عنه ، فللآخر أن يأخذه بغير عوض .
واختلف فيمن باع طعاما فاشترى بثمنه طعاما آخر : فكرهه ابن حبيب ، ورأى الثمن مغنما خلاف المبادلة .
وقال سحنون : قال بعض أصحابنا : إن باعه لحاجته ؛ ليصرف ثمنه في كسوة أو سلاح ولا شيء عنده لا بأس به ، كما لو أخذه من المغنم ، فإن بلغ بلاده تصدق به . وإن كان ليتأثل ثمنه وكان له قدره كان مغنما .
واختلف عن مالك فيمن احتاج إلى فرس من المغنم : فقال مرة : له أن يأخذها ويقاتل عليها ويركبها ، حتى يقفل إلى أهله ، ثم يردها إلى الغنيمة .
وأجاز ابن القاسم مثل ذلك في السيف والثوب يأخذه من الغنيمة فينتفع به حتى يقدم أهله . [ ص: 1434 ]
وروى ابن وهب وابن زياد عن مالك أنه لا ينتفع بدابة ولا بسلاح ولا بثوب .
قال : ولو جاز ذلك لجاز أن يأخذ دنانير يشتري بها .
وأرى أن ينتفع بالفرس والسيف ليقاتل عليه وبه ؛ لأن هذا من باب الذب عن المسلمين ، فإذا انقضى القتال رده ولم يقفل به . وإذا كان قسم الغنيمة قبل القفول أبين ألا يؤخر قسم ما أخذ . وسهمان الفرس له ، وعليه إجارة المثل ، ولا ينتفع بالثوب على حال ، إلا أن يقوم عليه ليحاسب به .
واختلف إذا صاد طيرا أو حيتانا لها قدر : فقال محمد : إن باع ذلك جعل الثمن في المقاسم . وقال مالك وغيره في كتاب ابن حبيب : الثمن له .
وقال مالك : إن اتخذ سرجا أو صنع مشجبا- فهو له ولا يخمس .
وقال ابن الماجشون : إن كان شيئا له قدر كانت له إجارته وكان مغنما .
وقال مالك : لا بأس أن يأخذ من أشجار الدواء وإن أخذه للبيع وكثر ثمنه في بلاد الإسلام .
وهو أقيس ، ولا شيء عليه في جميع ما تقدم ذكره ؛ لأنها ليست من أموال العدو ، ولا يقصدها الناس ليغنموها ، وهي مما يرحل الجيش عنها ويتركونها ، [ ص: 1435 ] والحوت والطير والشعاري في ذلك سواء .


