أما عمومات الأخبار فكثيرة .
فالنوع الأول : المذكور بصيغة " من " :
أحدها : ما روى وقاص بن ربيعة عن المسور بن شداد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أكل بأخيه أكلة أطعمه الله من نار جهنم ، ومن أخذ بأخيه كسوة كساه الله من نار جهنم ومن قام مقام رياء وسمعة أقامه الله يوم القيامة مقام رياء وسمعة " وهذا نص في وعيد الفاسق ، ومعنى أقامه : أي جازاه على ذلك .
وثانيها : قال عليه السلام : " من كان ذا لسانين وذا وجهين كان في النار ذا لسانين وذا وجهين " ولم يفصل بين المنافق وبين غيره في هذا الباب .
وثالثها : عن سعيد بن زيد قال قال عليه السلام : " من ظلم قيد شبر من أرض طوقه يوم القيامة من سبع أرضين .
ورابعها : عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المؤمن من أمنه الناس ، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، والمهاجر من هاجر السوء ، والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة عبد لا يأمن جاره بوائقه " . وهذا الخبر يدل على وعيد الفاسق الظالم ويدل على أنه غير مؤمن ولا مسلم على ما يقوله المعتزلة من المنزلة بين المنزلتين .
وخامسها : عن ثوبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من جاء يوم القيامة بريئا من ثلاثة ، دخل الجنة : الكبر والغلول والدين " ، وهذا يدل على أن صاحب هذه الثلاثة لا يدخل الجنة وإلا لم يكن لهذا الكلام معنى ، والمراد من الدين من مات عاصيا مانعا ولم يرد التوبة ولم يتب عنه .
وسادسها : عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من سلك طريقا يطلب به علما سهل الله له طريقا من طرق الجنة ، ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه " . وهذا نص في أن الثواب لا يكون إلا بالطاعة والخلاص من النار لا يكون إلا بالعمل الصالح .
وسابعها : عن ابن عمر رضي الله عنه ما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل مسكر خمر [ ص: 138 ] وكل خمر حرام ، ومن شرب الخمر في الدنيا ولم يتب منها لم يشربها في الآخرة " ، وهو صريح في وعيد الفاسق وأنه من أهل الخلود ، لأنه إذا لم يشربها لم يدخل الجنة لأن فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين .
وثامنها : عن أم سلمة قالت : قال عليه السلام : " إنما أنا بشر مثلكم ولعلكم تختصمون إلي ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض فمن قضيت له بحق أخيه فإنما قطعت له قطعة من النار " .
وتاسعها : عن ثابت بن الضحاك قال : قال عليه السلام : " من حلف بملة سوى الإسلام كاذبا متعمدا فهو كما قال ومن قتل نفسه بشيء يعذب به في نار جهنم " .
وعاشرها : عن عبد الله بن عمر قال : قال عليه الصلاة والسلام في الصلاة : " من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة ، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورا ولا برهانا ولا نجاة ولا ثوابا وكان يوم القيامة مع قارون وهامان وفرعون وأبي بن خلف " . وهذا نص في أن ترك الصلاة يحبط العمل ويوجب وعيد الأبد .
الحادي عشر : عن ابن عباس رضي الله عنه ما قال : قال عليه السلام : " من لقي الله مدمن خمر لقيه كعابد وثن " ، ولما ثبت أنه لا يكفر علمنا أن المراد منه إحباط العمل .
الثاني عشر : عن أبي هريرة قال : قال عليه السلام : " من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها بطنه يهوي في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ، ومن تردى من جبل متعمدا فقتل نفسه فهو مترد في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا " .
الثالث عشر : عن أبي ذر قال : قال عليه السلام : " ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ، قلت : يا رسول الله من هم خابوا وخسروا ؟ قال : المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف كاذبا " ، يعني بالمسبل المتكبر الذي يسبل إزاره ، ومعلوم أن من لم يكلمه الله ولم يرحمه وله عذاب أليم فهو من أهل النار ، ووروده في الفاسق نص في الباب .
الرابع عشر : عن أبي هريرة قال : قال عليه الصلاة والسلام : " من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة ، ومن لم يجد عرف الجنة فلا شك أنه في النار لأن المكلف لا بد وأن يكون في الجنة أو في النار .
الخامس عشر : عن أبي هريرة قال : قال عليه السلام : " من كتم علما ألجم بلجام من نار يوم القيامة " .
السادس عشر : عن ابن مسعود قال : قال عليه السلام : " من حلف على يمين كاذبا ليقطع بها مال أخيه لقي الله وهو عليه غضبان " ، وذلك لأن الله تعالى يقول : ( إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا ) [ آل عمران : 77 ] إلى آخر الآية ، وهذا نص في الوعيد ونص في أن الآية واردة في الفساق كورودها في الكفار .
السابع عشر : عن أبي أمامة قال : قال عليه السلام : " من حلف على يمين فاجرة ليقطع بها مال امرئ مسلم بغير حقه حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار ، قيل : يا رسول الله : وإن كان شيئا يسيرا ، قال : وإن كان قضيبا من أراك " .
الثامن عشر : عن سعيد بن جبير قال : كنت عند ابن عباس فأتاه رجل وقال : إني رجل معيشتي من هذه التصاوير ، فقال ابن عباس : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من صور فإن الله يعذبه حتى ينفخ فيه الروح وليس بنافخ ، ومن استمع إلى حديث قوم يفرون منه صب في أذنيه الآنك ومن يري عينيه في المنام ما لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين " .
التاسع عشر : عن معقل بن يسار قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت ، وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة " .
العشرون : عن ابن عمر في مناظرته مع عثمان حين أراد أن يوليه القضاء قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من كان قاضيا يقضي بالجهل كان من أهل النار ، ومن كان قاضيا يقضي بالجور كان من أهل النار " .
الحادي والعشرون : قال عليه السلام : " من ادعى أبا في الإسلام وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام " .
الثاني والعشرون : عن الحسن عن أبي بكرة قال : قال عليه السلام : " من قتل نفسا معاهدا لم يرح رائحة الجنة " ، وإذا [ ص: 139 ] كان في قتل الكفار هكذا فما ظنك بقتل أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
الثالث والعشرون : عن أبي سعيد الخدري قال : قال عليه السلام : " من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة " وإذا لم يلبسه في الآخرة وجب أن لا يكون من أهل الجنة لقوله تعالى : ( وفيها ما تشتهيه الأنفس ) [ الزخرف : 71 ] .


