( تنبيهات )
( الأول ) : الشفاعة التي تنكرها المعتزلة ، وتجحدها هي فيمن استحق النار من المؤمنين أن لا يدخلها ، وفيمن دخلها منهم أن يخرج منها ، فكذبت بها المبتدعة ، ونفتها مع ثبوت أدلتها ، وتضافر حججها مما يتعسر إحصاؤه ، ويتعذر استقصاؤه ، فأخرج البخاري عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه خطب ، فقال : " إنه سيكون في هذه الأمة قوم يكذبون بالرجم والدجال ، ويكذبون بطلوع الشمس من مغربها ، ويكذبون بعذاب القبر ، ويكذبون بالشفاعة ، ويكذبون بقوم يخرجون من النار بعدما امتحشوا " .
وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي ، وهناد عن أنس - رضي الله عنه - قال :
من كذب بالشفاعة فليس له فيها نصيب . وأخرج البيهقي عنه أنه قيل له : إن قوما يكذبون بالشفاعة ، قال : لا تجالسوا أولئك .
وأخرج أيضا عنه قال : يخرج قوم من النار ولا نكذب بها كما يكذب بها أهل حروراء ، وأخرج أيضا عن شبيب بن أبي فضالة المكي قال : ذكروا عن عمران بن حصين الشفاعة فقال رجل :
يا أبا نجيد إنكم لتحدثوننا أحاديث لم نجد لها أصلا في القرآن ، فغضب عمران وقال للرجل :
أقرأت القرآن ؟ قال : نعم ، قال : فهل وجدت صلاة العشاء أربعا ، وصلاة المغرب ثلاثا ، والغداة ركعتين ، والظهر أربعا ، والعصر أربعا ؟ قال : لا ، قال : فعن من أخذتم هذا ؟ ألستم عنا أخذتموه ، وأخذنا عن نبي الله - صلى الله عليه وسلم ، وفي كل أربعين درهما درهم ، وفي كل كذا شاة ، وفي كل كذا بعير ، أوجدتم في القرآن هذا ؟ قال : لا ، قال : ووجدتم في القرآن ( وليطوفوا بالبيت العتيق ) أوجدتم طوفوا سبعا واركعوا ركعتين خلف المقام ؟ أوجدتم هذا في القرآن ؟ عمن أخذتموه ؟ ألستم أخذتموه عنا ؟ ، وأخذناه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قالوا : بلى ، قال : أوجدتم في القرآن : لا جلب ، ولا حنب ، ولا شغار في الإسلام ؟ قالوا : لا ، قال : فإن الله [ ص: 213 ] تعالى قال : في كتابه ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) وإنا قد أخذنا عن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - أشياء لم يكن لكم بها علم .
وفي صحيح مسلم عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلا قول إبراهيم :
( رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ) وقول عيسى :
( إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ) ، فرفع يده ، وقال : أمتي أمتي ثم بكى ، فقال الله :
يا جبريل اذهب إلى محمد فقل له : إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك .
وأخرج البزار ، والطبراني في الأوسط ، وأبو نعيم بسند حسن عن أمير المؤمنين علي بن أبى طالب - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
" أشفع لأمتي حتى ينادي ربي تبارك وتعالى : أرضيت يا محمد ؟ فأقول : أي رب رضيت .
" وأخرج الترمذي وابن ماجه ، والحاكم وصححه ، وابن حبان والبيهقي ، والطبراني عن عوف بن مالك الأشجعي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
إن ربي خيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة - وفي لفظ : بين أن يدخل ثلثي أمتي - بغير حساب ولا عذاب وبين الشفاعة لأمتي ، فاخترت الشفاعة ، قال : وهي لكل مسلم " . وروى نحوه الإمام أحمد ، والطبراني أيضا ، والبيهقي بسند جيد من حديث معاذ بن جبل - رضي الله عنه - وفيه " وعلمت أنها أوسع لهم ، وهي لمن مات لا يشرك بالله شيئا " .
وأخرج الطبراني مثله عن أنس . وأخرج الإمام أحمد ، والطبراني أيضا ، والبيهقي بسند صحيح عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال :
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " خيرت بين الشفاعة ، وبين أن يدخل نصف أمتي الجنة ، فاخترت الشفاعة لأنها أعم وأكفى ، أترونها للمتقين ؟ ولكنها للمذنبين الخطائين المتلوثين " .
وأخرج الإمام أحمد والبيهقي ، والطبراني في الأوسط عن بريدة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إني لأشفع يوم القيامة لأكثر مما على وجه الأرض من شجر ومدر " .
وأخرجه الطبراني في الأوسط عن أنيس الأنصاري ، ولفظه " أكثر مما على وجه الأرض من حجر ومدر " وأخرج البخاري عن عمران بن حصين - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
يخرج قوم من النار بشفاعة [ ص: 214 ] محمد - صلى الله عليه وسلم - - ويدخلون الجنة ، ويسمون الجهنميين " وأخرج الشيخان عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله يخرج قوما من النار بالشفاعة فيدخلهم الجنة " وأخرج أبو داود والترمذي والحاكم والبيهقي وصححوه عن أنس - رضي الله عنه - قال :
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " وأخرج الطبراني عن عبد الله بن بسر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
" شفاعتي في أمتي المذنبين المثقلين " وأخرج الطبراني أيضا ، وأبو نعيم عن أبي أمامة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " نعم الرجل أنا لشرار أمتي " قيل : كيف يا رسول الله ؟ قال :
أما شرار أمتي فيدخلهم الله الجنة بشفاعتي ، وأما خيارهم فيدخلهم الله الجنة بأعمالهم " .
وأخرج أيضا عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
" شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " قال ابن عباس :
السابق بالخيرات يدخل الجنة بغير حساب ، والمقتصد يدخل الجنة برحمة الله ، والظالم لنفسه وأهل الأعراف يدخلون الجنة بشفاعة محمد - صلى الله عليه وسلم .
وفي أوسط الطبراني عن ابن عمر - رضي الله عنه - مرفوعا " إني ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " وفي الكبير عن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " اعملي ولا تتكلي ، فإن شفاعتي للهالكين من أمتي " .
وأخرج الترمذي والحاكم ، والبيهقي عن جابر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " قال جابر : - رضي الله عنه - من زادت حسناته عن سيئاته فذلك الذي يدخل الجنة بغير حساب ، ومن استوت حسناته وسيئاته فذلك الذي يحاسب حسابا يسيرا ثم يدخل الجنة ، وإنما شفاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمن أوبق نفسه ، وأغلق ظهره .
وأخرج عن أنس - رضي الله عنه - قال : قلنا : يا رسول الله لمن تشفع ؟ قال : لأهل الكبائر من أمتي ، وأهل العظائم وأهل الدماء .
" وأخرج عن كعب بن عجرة - رضي الله عنه - مرفوعا : " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " . وأخرج طاوس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " شفاعتي لأهل الكبائر [ ص: 215 ] من أمتي " قال البيهقي : هذا مرسل حسن يشهد لكون هذه اللفظة شائعة .
وأخرج ابن أبي عاصم عن أنس - رضي الله عنه - مرفوعا : " مازلت أشفع إلى ربي ويشفعني ، وأشفع ، ويشفعني ، حتى أقول : أي رب شفعني فيمن قال لا إله إلا الله ، فيقول :
هذا ليس لك يا محمد ولا لأحد ، هذا لي ، وعزتي وجلالي ورحمتي لا أدع في النار أحدا يقول لا إله إلا الله " .


