الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مخالطة صاحب الرائحة الكريهة للناس.. رؤية شرعية

السؤال

لديَّ حالةٌ صحيةٌ تُسبِّبُ رائحةً غيرَ طيّبة، واكتشفتُ حديثًا أنَّها تزداد بسببِ التوتّر. فهل ينالني إثم عند مخالطة الناس، مع أنني أريدُ إكمالَ دراستي والبحثَ عن عمل، ولا أنوي أذيّتَهم، ولا أستطيعُ التحكمَ في الأمر؟ وقد ورد حديثٌ عن لزومِ البيتِ لمن أكلَ ثومًا أو بصلًا، ولكن حالتي ليست بيدي، وليس لها سببٌ واضحٌ أو علاجٌ قطعيّ.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله تبارك وتعالى أن يشفيك، ويذهب عنك هذا الأذى، ويفرج همك، وينفس كربك.

ونوصيك بكثرة الدعاء، وسؤال الله -عزّ وجلّ- العافية، وهو سبحانه على كل شيء قدير، وهو من يجيب دعوة المضطر، قال سبحانه: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ [النمل: 62].

والظاهر من كلام أهل العلم أنه لا فرق في منع صاحب الرائحة الكريهة من مخالطة الناس بين من لا عذر له -كآكل الثوم والبصل-؛ لكونه مختارًا، وبين من له عذر لكونه لا اختيار له؛ لأن الأذية -والتي هي علة المنع- حاصلة على كل حال.

قال ابن حجر في فتح الباري عند شرحه لحديث منع من أكل ثومًا أو بصلاً من الإتيان للمسجد: وألحق بعضهم بذلك من بفيه بخر، أو به جرح له رائحة. انتهى.

وفي حاشية إعانة الطالبين للدمياطي قوله: ومثل ذلك كل من ببدنه أو ثوبه ريح خبيث، وإن عُذِر، كذي بخر أو صنان مستحكم، وحرفة خبيثة. انتهى.

ولكن ههنا أمر وهو أن بعض العلماء يرى أن النهي يختص بالمساجد وما في معناها، ولا يشمل كل مجمع للناس.

قال ابن حجر في الفتح: وليس في هذا تقييد النهي بالمسجد، فيستدل بعمومه على إلحاق المجامع بالمساجد -كمصلى العيد، والجنازة، ومكان الوليمة-، وقد ألحقها بعضهم بالقياس، والتمسك بهذا العموم أولى، ونظيره قوله: "وليقعد في بيته" كما تقدم، لكن قد علل المنع في الحديث بترك أذى الملائكة، وترك أذى المسلمين، فإن كان كل منهما جزء علة اختص النهي بالمساجد وما في معناها، وهذا هو الأظهر، وإلا لعم النهي كل مجمع كالأسواق. انتهى.

وبناء على هذا؛ لا يمنع صاحب الرائحة الكريهة من الخروج في حوائجه العامة في الحياة، كالخروج للتعليم والأسواق.

ولكن ينبغي أن تحرصي على الاجتهاد في طلب العلاج، هذا بالإضافة إلى استخدام المطهرات لإزالة الرائحة، أو الإكثار من الطيب الذي يزيل الرائحة من غير أن تنبعث منه رائحة تهيج مشاعر الرجال؛ لأن المرأة ممنوعة من الخروج متعطرة بطيب يجد رائحته الرجال، كما هو معلوم. وانظري الفتوى 36736.

وعند وجود رائحة، فينبغي اجتناب المخالطة قدر الإمكان؛ لئلا تحصل الأذية.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني