الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحب الخيال وأعيش كثيرًا مع أحلام اليقظة، فما توجيهكم؟

السؤال

السلام عليكم

أنا فتاة عمري 23 سنة، أدرس الصيدلة في أوروبا؛ أعيش في سكن جامعي، لكنني أزور عائلتي كل نهاية أسبوع.

مشكلتي هي حب الخيال أو أحلام اليقظة، منذ أن وعيت على الدنيا وأنا أحب التخيل، وزادت هذه الحالة عندما دخلت المرحلة الثانوية، بدأت أتخيل نفسي داخل المسلسلات ومع الشخصيات التي أحبها، بعد انتهاء الثانوية، توقفت عن ذلك لمدة شهرين تقريبًا، لكن ليس تمامًا، فقد بدأت أتخيل نفسي مع الصحابة وما شابه، وعندما دخلت الجامعة، عدت تدريجيًا إلى التخيل، ربما بسبب قلة الثقة بالنفس، والبيئة الجديدة المختلفة عن حياتي السابقة التي كانت بسيطة من البيت إلى المدرسة، ومن المدرسة إلى البيت، ولم يكن لدي أصدقاء.

كنت أتخيل كثيرًا وأقضي وقتًا طويلًا في عالمي الخيالي، لكن -الحمد لله- وفّقني الله في امتحاناتي ونجحت، كنت شخصية مرحة، محبة للحياة، ولم أشعر أنني مضطرة لتحمل هموم أو مسؤوليات كبيرة، ولم أفكر كثيرًا في المستقبل.

في رمضان 2025، قررت أن أترك الخيال، وأوقفت كل شيء فجأة، ومنذ تلك اللحظة، بدأت أعاني كثيرًا، في البداية، أصبت بالاكتئاب والتعب، ثم بدأت أحاول تحسين حياتي ونفسي، رغم أنني أحب حياتي وأهلي والناس من حولي، ولم أكن أقارن خيالي بالواقع، إلا إنني بعد أن تركته، بدأ عقلي يقارن، ويذكرني وكأن ما عشته في خيالي كان حقيقيًا، رغم أنني أعلم أنه مجرد خيال.

حاولت كثيرًا ألا أعود إليه، حاولت أن أعيش حياتي فقط، ونجحت جزئيًا، لكنني لم أستطع أن أمنع نفسي من الاشتياق والحنين إلى خيالي والشخصيات التي أحببتها، فعُدت إليه بعد فترة دامت حوالي ستة أشهر من الانقطاع.

الآن أحاول تنظيم خيالي، بحيث أتخيل فقط قبل النوم، أو أخصص له ساعة واحدة خلال اليوم بشكل متقطع، أو أثناء ممارسة الرياضة، لكنني أشعر أنني إنسانة غريبة وسيئة، وأشعر بالخوف.

أنا أحب حياتي وأهلي وشخصيتي، لكنني في الوقت نفسه أحب خيالي والشخصيات التي فيه، أحب مشاهدة مسلسل معين، وأتخيل نفسي فيه، دائمًا أقول لنفسي إنني أستطيع أن أوازن بين الاثنين.

لكن هناك شعور ثقيل على قلبي، عندما أفكر أنني يجب أن أتخلى عن عالمي الخاص، وأركز على مستقبلي وأهلي، حتى خلال فترة التعب التي استمرت ستة أشهر، لم أكره خيالي، ولم أستطع أن أكره شخصياته؛ لأنني أعلم أنهم لم يؤذوني، بل تركي لهم هو ما يؤلمني.

هل أنا إنسانة ضعيفة؟ هل يجب على الإنسان أن يتخلى عن الأشياء التي يحبها في الدنيا؟ هل الخيال مضر؟ أنا أحب خيالي، ولا أستطيع أن أتخيل أنني سأتركه للأبد، فماذا أفعل؟ أنا خائفة أن أبدأ بمقارنة حياتي بالخيال، ساعدوني؛ لأنني ليس لدي أحد يمكنني أن أشاركه هذه المشاعر، ولا أعتقد أن أحدًا سيفهمها في النهاية.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Raghad حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك -أختنا الفاضلة- عبر استشارات إسلام ويب، ونشكر لك تواصلك معنا بهذا السؤال المُشوق حقيقةً.

أختي الفاضلة: وهل يمكن للإنسان أن يعيش دون تخيّل؟ فهذه نعمة عظيمة من الله تعالى، أنه أعطانا القدرة على تخيّل أشياء أو شخصيات، أو أحداث غير ما هو حولنا.

فسألتِ: هل الخيال مضر؟ لا، فكثير من الإبداعات والاختراعات والاكتشافات ما كان يمكن أن تتم لولا القدرة على التخيُّل، فأولًا: اطمئني، فهذا الذي تحبينه من التخيُّل ليس بالأمر الضار، بل هو أمر نفسي طبيعي جدًا، بل هو ربما ما يميز الإنسان عن غيره من المخلوقات، فاطمئني لهذا الأمر.

ولكن ما زاد عن حدِّه انقلب إلى ضده، طالما أن التخيلات هذه لا تصرفك عن أداء الصلاة والعبادة، ولا تصرفك عن الدراسة، وخاصة أنك طالبة صيدلة، وهذا أمر يحتاج إلى الانتباه والتركيز، فطالما أن التخيلات هذه لا تصرفك عن هذا كله، ولا عن علاقاتك الأسرية والاجتماعية، فلا بأس.

طبعًا، ربما تزداد التخيلات عند بعض الناس إذا كانت حياتهم فيها شيء من الروتين أو الملل، فيحاولون أن يعوِّضوا عن هذا الفراغ، أو هذا الروتين، أو هذا الملل بأن يسبحوا في عالم الخيال، فمثلًا معروف أن السجناء نتيجة تقييد حريتهم، وتقييد ما يطلعون عليه، فإنّه تعظم عندهم وتزداد الخيالات ليتخيلوا أشياء، أو أمورًا غير متاحة لهم.

أختي الفاضلة: طالما عندك قدرة، أو رغبة على التخيُّل، فما رأيك لو تحاولين ليس الامتناع عن التخيل، وإنما أن تسخّري هذا إلى أمر مفيد، مثلًا في أن تفكّري في إبداع شيءٍ جديدٍ في عالم الصيدلة، أو - وهذا أنصحك به - أن تعيشي مع آيات القرآن الكريم، ففيها الكثير من الشخصيات، فتخيُّلك لهذه الشخصيات سيُعينك على فهم وتدبر هذه الآيات الكريمة، فعيشي مع هذه الآيات وهذه الشخصيات، وما أكثرها في القرآن الكريم، ولعل الله تعالى يفتح على يديك أمرًا مفيدًا في هذا المجال.

يمكنك كذلك أن تلجي عالم التأليف والكتابة، فتؤلفين قصصًا مستلهمة من القيم الإسلامية، وتقدمين فيها الموعظة الحسنة للصغار والكبار كذلك، كما يمكنك تأليف قصص عن سير الصالحين، من الصحابة عليهم الرضوان، وقادة المسلمين عبر التاريخ، والذين صنعوا أمجاد هذه الأمة، كل هذا يمكن أن تشبعي من خلاله هوايتك في جانب الخيال، وفي نفس الوقت تقدمين الفائدة للآخرين.

فإذًا أطمئنك على أنك لست مضطرة لبذل كل هذا الجهد الذي ذكرته في سؤالك - كل هذا الجهد في ترك التخيُّل - فهذا أمرٌ غير واقعي، فإنك مهما حاولت لن تستطيعي؛ لأن التخيُّل وقدرة الإنسان على أن يعيش عوالم أخرى غير التي تحيط به أمرٌ طبيعي، بل نعمةٌ من الله تعالى.

أرجو أن يكون في هذا الجواب ما يريح بالك، ويساعدك على الاستفادة من موهبتك هذه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً